تحديثات الأخبار

في لحظة تختلط فيها الحياة بالموت، دوّت في ممرات مستشفى رام الله صرخة مفجعة: "قلبه شغال… قلبه بدق!"، قبل أن يُعلن الأطباء استشهاد براء معالي، طالب الحقوق والإدارة العامة في جامعة بيرزيت، متأثرًا بإصابته برصاص المستعمرين خلال تصدي أهالي دير جرير لهجوم جديد استهدف أطراف القرية.

براء، الشاب الهادئ الطموح، انضم إلى قائمة شهداء القرية التي أثخنتها الاعتداءات المتكررة. فمنذ ثلاثة أشهر فقط فقدت دير جرير الشهيد جهاد محمد عجاج (26 عامًا) بتاريخ 8 تشرين الأول/أكتوبر، ثم محمد عيسى علوي (21 عامًا) في 13 أيلول/سبتمبر، وجميعهم ارتقوا بالطريقة ذاتها وعلى يد المستعمرين أنفسهم.

غير أن حكاية الدم أطول من ذلك؛ فخلال السنوات الثلاث الأخيرة وحدها ودّعت القرية ستة من أبنائها، بينهم قيس عماد شجاعية (2022)، ورندة عبد الله عجاج (2023)، وعبد العزيز أبو صالحة (2024)، ما يعكس حجم الاستهداف الممنهج الذي تواجهه دير جرير الواقعة شرق رام الله.

انتظار جنازة مؤجلة… ولقاء أخير بلا كلمات

عقب إعلان الاستشهاد، قررت عائلة معالي تأجيل وداع نجلها حتى وصول شقيقه المغترب في الولايات المتحدة. قطع الشقيق آلاف الكيلومترات على أمل لقاء غاب طويلًا، لكنه عاد ليجد اللقاء الأخير مسجّى على نعشٍ يودّع الحياة بصمت.

قرية على خط النار

رئيس مجلس قروي دير جرير، فتحي حمدان، أوضح لـ“وفا” أن الاعتداءات الاستعمارية لم تبدأ مع حرب السابع من أكتوبر، بل تصاعدت قبل ذلك بهدف “القتل والتهجير والسيطرة على الأرض”. وعلى مدار سنوات، تكبّدت القرية خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات والمعتقلين.

وأشار حمدان إلى أنّ المستعمرين استولوا حتى الآن على ما يقارب 20 ألف دونم من أراضي القرية البالغة 33 ألف دونم، خصوصًا في مناطقها الشرقية الممتدة نحو العوجا في أريحا، حيث يُمنع الأهالي من الوصول إلى أراضيهم الزراعية.

هجمات منسقة بحماية الجيش

تُنَفّذ الهجمات غالبًا انطلاقًا من بؤرة استعمارية أُقيمت فوق تل العاصور، على مسافة تقل عن 100 متر هوائي من بيوت المواطنين. ويصل المستعمرون من مستوطنة "عوفرا" عبر مركبات “تراكتورون”، ويتحركون داخل أراضي القرية تحت حماية كاملة من قوات الاحتلال.

وفي الأشهر الأخيرة، شقّ المستعمرون طريقًا جديدًا يربط البؤرة بالتجمعات الاستيطانية المجاورة، ما حوّل شرق دير جرير إلى ساحة مفتوحة لاعتداءات شملت، إطلاق نار مباشر، اقتلاع أشجار، حرق ممتلكات، سرقة مواشي ومعدات، وتجريف مساحات واسعة من الأراضي.

رصاصة أنهت مقاومة شاب

خلال الهجوم الأخير، خرج الأهالي لحماية بيوتهم. كان براء بينهم، يواجه المستعمرين بصدورٍ عارية إلا من إرادة الدفاع عن الأرض. لم تُثنه أصوات الرصاص، لكن رصاصة واحدة كانت كافية لانتزاعه من بين أهله، وتضيف اسمه إلى قائمة طويلة من الشهداء الذين سقطوا في دفاع القرية عن وجودها.