"المرأة: بين الدعم الوهمي وواقع العنف الخفي – حقيقة لا تُرى!"
في كل مرة يُذكر اسم "المرأة" تُرفع الشعارات وتُعقد المؤتمرات وتُطلق الوعود بدعمها وتمكينها. لكن بين النصوص المكتوبة على الورق والواقع المليء بالتناقضات، تقف المرأة في معركة يومية: معركة ضد العنف، ضد التهميش، وضد المحاولة المستمرة للسيطرة عليها باسم العادات أو الدين أو حتى الحب.
المرأة كمرآة للمجتمع
قيمة أي مجتمع تُقاس بمكانة المرأة فيه. لكن الحقيقة المُرّة أننا ما زلنا نعيش في ثقافة ترى في المرأة كائنًا ناقصًا يحتاج إلى وصاية. تُصفّق الأنظمة لمبادرات "تمكين المرأة" بينما تُسكت أصواتها الحقيقية. ويُرفع شعار "تكريم الأم والأخت" في الوقت الذي تُقتل فيه نساء على أبواب المحاكم أو خلف جدران البيوت تحت مسمى "الشرف".
الدعم الزائف: حين يصبح التمكين ديكورًا
كثيرون يتحدثون عن دعم المرأة، لكن كم منهم يؤمن فعلًا بقدرتها على اتخاذ القرار؟ نراها في الحملات الدعائية، في صور جميلة على مواقع التواصل، لكنها تُقصى حين يحين وقت الفعل. التمكين الحقيقي ليس ورش عمل أو صور في يوم المرأة العالمي، بل هو قوانين تحميها، فرص عمل عادلة، وأمان اجتماعي يضمن لها أن تكون إنسانة حرة قبل أن تكون أي شيء آخر.
التعنيف: الوجه القبيح الذي يُخفى
التعنيف ضد المرأة لا يقتصر على الضرب الجسدي. هناك تعنيف نفسي، لفظي، اقتصادي، وحتى رقمي. كم من امرأة تُحرم من راتبها، أو تُبتز بصورها، أو تُكسر إرادتها بكلمة جارحة يومية؟ العنف أخطر حين يُمارس في الخفاء، حين يمرّ كعادة طبيعية لا يُسائلها أحد. الأسوأ من ذلك، أن بعض النساء أنفسهن تطبعن مع هذا العنف وكأنّه قدر محتوم. يتغلب عليهن الضعف و يتقبلن الأمر الواقع ولا يُطالب بحق احداهن ولا يتم التدخل من قبل الجهات الأمنية لأن الخوف من المجتمع و الكلام الجارح و القتل كفيل في اغلاق افواههن و كفيل بإلغاء كل حلم و جميع الطموح.
السيطرة باسم الحب والدين والمجتمع
أخطر أشكال السيطرة هي تلك التي تأتي متنكرة في زيّ الحب. تمنعك من ممارسة يومك و عيش حياتك تحت مسمى الدين و الغيرة "أمنعك لأني أحبك"، "أسيطر عليك لأني أخاف عليك"، "أقيّدك لأني أغار". لكن في الحقيقة الخوف من المجتمع هو سبب هذه المسميات و السيطرة بلا حدود وهكذا تتحول المشاعر إلى سلاسل تُكبّل المرأة وتسرق حريتها باسم العاطفة. وحتى الدين، الذي كرّم المرأة ومنحها حق الاختيار والكرامة، يُستخدم أحيانًا كذريعة لتبرير قمعها. أما المجتمع، فهو القاضي الصامت الذي يحاكمها دائمًا: إن تكلمت فهي "وقحة"، وإن صمتت فهي "ضعيفة".
نبض المجتمع
المرأة ليست ضحية أبدية. عبر التاريخ، وقفت نساء وغيّرن مجرى الأمور. من المقاومات في ساحات النضال، إلى الصحفيات اللواتي دفعن حياتهن ثمنًا للحقيقة، إلى الأمهات اللواتي ربّين أجيالًا على الوعي والكرامة. كل محاولة لقمع المرأة تولّد عشرات المحاولات لمقاومة هذا القمع.
المجتمع الذي يحاول إسكات نصفه محكوم بالشلل. لا نهضة بلا نساء، ولا حرية بلا كرامة إنسانية متساوية. تمكين المرأة ليس منّة من أحد، بل حق أساسي لا يُنتزع ولا يُؤجَّل. لا يكفي أن نقول "المرأة نصف المجتمع"، بل يجب أن نؤمن أنها كل المجتمع هي نبضه وروحه ووجهه الحقيقي، لأنها الأم التي تنشئ، والمعلمة التي تُربي، والإنسانة التي تُكمل المعادلة.
الحرية ولادة جديدة
أن تدعم المرأة يعني أن تؤمن بحقها في أن تكون نفسها، لا ظلًا لرجل ولا أسيرةً لمجتمع. أن تحارب العنف ضدها يعني أن تكسر دائرة الصمت التي تحيط بها. أن ترفض السيطرة عليها يعني أن ترى فيها إنسانًا كاملًا، لا مشروعًا ناقصًا.
ربما ما زال الطريق طويلًا، لكن كل امرأة ترفع صوتها، كل رجل يؤمن بمساواتها، وكل مجتمع يشرّع لحمايتها، هو خطوة نحو الحرية الحقيقية. الحرية التي لا تعني فقط غياب القيود، بل تعني ولادة جديدة للإنسانية جمعاء.
ولأن التاريخ لا يرحم، فإن الأجيال القادمة ستحاكمنا: هل كنا شهودًا صامتين على ظلم النساء، أم كنا شركاء في تغيير المعادلة؟ الجواب سيكتبه كل فعل صغير نقوم به اليوم؛ كلمة نقولها، قانون نطالب به، موقف نتخذه.
وإذا أردنا مستقبلًا حرًا، كريمًا، عادلًا، فالبداية الحقيقية لن تكون من أي مكان آخر سوى من تحرير المرأة من كل أشكال القمع والهيمنة.