حرية التعبير بين قيود الإعلام وصوت المنصات الرقمية
تُعد حرية التعبير حجر الأساس في أي نظام ديمقراطي عادل، فهي ليست مجرد حق تنص عليه المواثيق الدولية والدساتير، بل ضمانة لمحاسبة المسؤولين ومشاركة الناس في صياغة القرارات العامة. غير أن هذه الحرية، وخصوصًا في مجال الإعلام، ما زالت عرضة للتقييد عبر الرقابة أو التضييق القانوني والسياسي، ومع التطور التكنولوجي، قلبت وسائل التواصل الاجتماعي المعادلة، لتصبح ساحة رئيسية لصناعة الرأي العام ووسيلة ضغط يصعب تجاهلها.
تقييد الحريات الإعلامية: نصوص قانونية وواقع مغاير
رغم أن معظم الدول تضع حرية التعبير ضمن قوانينها، إلا أن الواقع يكشف فجوة واسعة بين النصوص والتطبيق، إذ يواجه الصحفيون والمؤسسات الإعلامية ضغوطًا مباشرة كفرض الرقابة، أو غير مباشرة مثل الابتزاز المالي والإعلاني، وتزيد القوانين الفضفاضة من تعقيد المشهد، حيث تُستخدم شعارات مثل "الأمن القومي" أو "الآداب العامة" دون تعريف واضح، ما يمنح السلطات مساحة واسعة لتكميم الأصوات الناقدة، النتيجة أن الإعلام التقليدي، الذي يُفترض أن يؤدي دور "السلطة الرابعة"، يجد نفسه مكبلاً، ويدفع الجمهور للبحث عن بدائل أكثر حرية.
وسائل التواصل من الترفيه إلى قوة مؤثرة
أحدث انتشار الإنترنت تحوّلًا جذريًا في تداول المعلومات. فمنصات مثل فيسبوك وتويتر (إكس حاليًا) وإنستغرام تحولت إلى فضاءات للنقاش العام والتعبير الحر، بعيدًا عن هيمنة المؤسسات الإعلامية الكبرى.
وقد تجلى تأثير هذه المنصات في محطات مهمة، أبرزها أحداث "الربيع العربي"، حيث لعبت دورًا محوريًا في توثيق الوقائع ونقلها مباشرة إلى العالم، كما ساهمت الحملات الرقمية في حشد التضامن الدولي لقضايا إنسانية وحقوقية.
الضغط الشعبي كقوة جديدة
لم تعد وسائل التواصل مجرد أداة لنشر الأخبار، بل أصبحت قوة ضغط سياسي واجتماعي. فقد نجحت حملات "الهاشتاغ" في تعديل أو إلغاء قرارات حكومية تحت تأثير الرأي العام المتصاعد. حتى السياسيون باتوا يعتمدون على هذه المنصات لقياس نبض الشارع والتواصل المباشر مع المواطنين.
تحديات ومخاطر
رغم دورها المحوري، لم يخلُ الفضاء الرقمي من تحديات، أبرزها:
- انتشار الأخبار الكاذبة والشائعات التي تضلل الجمهور.
- تصاعد خطاب الكراهية والتحريض على العنف.
- الرقابة الرقمية عبر حجب المواقع أو إغلاق الحسابات الناقدة.
- هيمنة الخوارزميات التي تتحكم فيما يراه المستخدم، ما قد يُستخدم للتلاعب بالوعي العام.
نحو حماية الحرية
تمر حرية التعبير والإعلام بمرحلة انتقالية فارقة، ففي الوقت الذي يواجه فيه الإعلام التقليدي قيودًا متزايدة، فتحت وسائل التواصل المجال أمام أصوات جديدة أعادت صياغة العلاقة بين السلطة والجمهور، لكن حماية هذه الحرية تتطلب تشريعات عادلة، وتثقيفًا إعلاميًا يعزز الوعي المجتمعي، إضافة إلى مساءلة المنصات الرقمية الكبرى عن مسؤوليتها تجاه الحقيقة والشفافية.
هُنا يبقى المبدأ ثابتًا، إذ لا يمكن لأي مجتمع أن ينهض أو يبني مستقبلًا مستدامًا من دون إعلام حر ومساحة آمنة للتعبير، سواء عبر الصحف والشاشات أو عبر الفضاء الرقمي المفتوح.