تحديثات الأخبار

بقلم الصحفية شهد رجوب 

شجرة الزيتون في فلسطين: رمز الحضارة والهوية والصمود عبر التاريخ

شجرة الزيتون في فلسطين ليست مجرد محصول , لا توجد شجرة في الذاكرة العربية، ولا في الوجدان الفلسطيني على وجه الخصوص، تحظى بالمكانة التي تحظى بها شجرة الزيتون. فهي ليست مجرد نبات يُزرع ليُثمر، بل رمز حضاري وثقافي وروحي متجذر في التاريخ والوعي الجمعي. ولو قُدّر للأشجار أن تنطق، لكانت شجرة الزيتون أكثرها بلاغة، لأنها الشاهدة الأصدق على علاقة الإنسان بأرضه، وعلى قصة حضارة عرفت العواصف ولم تنكسر.

منذ أقدم العصور، ارتبط الزيتون بمعاني السلام والحياة والاستقرار. حضر في الأساطير القديمة، وفي النصوص الدينية، وفي التراث الشعبي، بوصفه رمزًا للبقاء والاستمرار. وكما قيل:
«إن قالوا وطنٌ قلتِ: أنا شاهده،
فالأرضُ قلبٌ… والزيتونُ فيه هوَ البذور».
فجذوره التي تمتد عميقًا في التربة ليست تفصيلًا زراعيًا عابرًا، بل امتداد رمزي للانتماء، ودليل على التمسك بالأرض. من يزرع الزيتون يدرك أنه يزرع للمستقبل، لأجيال لم تولد بعد، فهذه الشجرة لا تعرف العجلة، ولا تمنح ثمرها إلا لمن يتحلّى بالصبر… صبر يشبه صبر الشعوب على الزمن وتحدياته.

والزيتون يحكي أيضًا قصة علاقة حميمية بين الإنسان وأرضه. فموسم القطاف ليس مجرد عمل زراعي، بل طقس اجتماعي وثقافي تتلاقى فيه العائلة، وتتعانق الذاكرة مع الحاضر. ضحكات في الحقول، رائحة تراب مبتل بالندى، وسلال ممتلئة بالثمر، مشاهد تصنع لوحة إنسانية تعبّر عن روح الجماعة، وعن ثقافة تشاركية نسجتها هذه الشجرة عبر قرون طويلة.

وفي بعده الاقتصادي، يمثل الزيتون «الذهب الأخضر» للعديد من المجتمعات، ومصدر رزق أساسي، وركيزة من ركائز الزراعة التقليدية، وعاملًا مهمًا في تعزيز الاستقلالية الاقتصادية. غير أن قيمته لا تُقاس بالمردود المادي وحده، بل بكونه جزءًا أصيلًا من هوية الأرض، وعلامة ثابتة في المشهد الطبيعي، يصرّ على البقاء رغم محاولات الاقتلاع والتغييب.

ثقافيًا، احتل الزيتون مساحة واسعة في الشعر، والأمثال الشعبية، والأغاني، والذاكرة الشفوية. لم يكن يومًا شجرة عابرة، بل لغة ومعنى. وحين يُذكر الزيتون، تُستحضر معه مفاهيم الصبر، والثبات، والكرامة، والحياة الممتدة بلا خوف. لذلك، حين يتحدث الزيتون عن حضارتنا، فإنه يخبر العالم أننا شعب متجذر في أرضه، يعرف معنى الانتماء الحقيقي، ويؤمن بأن الجذور أقوى من العواصف.

ارتبط الزيتون بالأرض ارتباطًا وجدانيًا عميقًا؛ شهد حضارات تعاقبت وبقي هو ثابتًا، يمنح الخير دون انقطاع. أوراقه الخضراء تحكي حكاية الصمود، وثمره يفيض زيتًا يضيء البيوت ويغذي الأجساد، أما جذعه الصلب فيبقى علامة على قوة الإنسان وصبره. ولهذا، يتجاوز الزيتون حدود الزراعة ليغدو جزءًا من الهوية والثقافة وذاكرة المكان.

في النهاية، شجرة الزيتون ليست كائنًا نباتيًا ينمو بصمت، بل كائن حضاري يتكلم دون صوت. إنها مرآة لحضارتنا: ثابتة كالجذور، سخية كالزيت، صامدة كالجبل، وحية كالأمل. وإذا أردنا أن نفهم أنفسنا، وهويتنا، وتاريخنا، يكفي أن نصغي جيدًا…
حين تتكلم الأشجار، يتكلم الزيتون باسمنا جميعًا.

ل زراعي، بل رمز حضاري وثقافي متجذر في التاريخ والهوية الوطنية، يعكس الصمود والانتماء والعلاقة العميقة بين الإنسان والأرض.