تحديثات الأخبار

في زمنٍ تتسارع فيه وتيرة الحياة وتتزايد فيه الحاجة إلى الطمأنينة، يتجه كثير من الناس نحو الأبراج بحثًا عن فهمٍ للذات وتوقعات للمستقبل. تتصدر توقعات الأبراج الصحف والمواقع الإلكترونية، وتُشارك يوميًا على وسائل التواصل الاجتماعي، في محاولة لتقديم نوعٍ من التفسير للحالة النفسية أو الظروف الحياتية التي يمر بها الإنسان. غير أن هذا الانجذاب، الذي يبدو في ظاهره بريئًا أو ترفيهيًا، قد يحمل في باطنه تأثيرًا سلبيًا عميقًا على الأفراد والمجتمع.

ليس من الغريب أن يسعى الإنسان إلى فهم نفسه. لكن حين يتحول هذا السعي إلى اعتمادٍ كامل على تصنيفات فلكية عامة، فإن الفرد يبدأ بالتقيد بقوالب جاهزة تفرضها الأبراج. كم من شخصٍ يردد بثقة: "أنا عنيد لأني برج الثور"، أو "لا أستطيع الثقة بأحد لأنني برج العقرب"؟ هذه العبارات، رغم أنها تبدو سطحية، إلا أنها تعكس إيمانًا داخليًا بأن الصفات الموروثة من البرج لا يمكن تغييرها، مما يقود إلى جمود في الشخصية ورفض للمراجعة الذاتية والتطور.

الأخطر من ذلك، أن البعض يبدأ في ربط نجاحه أو فشله المهني والعاطفي بما تقوله الأبراج. فتوقع سلبي في بداية اليوم قد يؤثر على مزاج الفرد ويزرع التشاؤم في نفسه، بينما توقع إيجابي قد يمنحه أملًا كاذبًا لا يستند إلى أي واقعية. وهكذا تتحول حياة الإنسان إلى لعبة حظ تُدار من خلال كلمات عامة لا تستند إلى علم، بل إلى احتمالات نفسية يمكن أن تنطبق على أي شخص.

في العلاقات الاجتماعية، تؤدي الأبراج دورًا لا يقل خطورة. كثير من الناس أصبحوا يحكمون على الآخرين من خلال أبراجهم فقط، فيرفض أحدهم الارتباط بآخر لأنه "من برج غير متوافق"، دون أن يمنحه حتى فرصة للتعارف. تُصبح الأبراج بذلك أداة للحكم المسبق والعزل الاجتماعي، بدلًا من أن تكون وسيلة للتقارب أو الفهم.

ولا يمكن إغفال الجانب التجاري في هذا المجال، حيث تنتشر الحسابات والمنصات التي تقدم "تحليلًا شخصيًا دقيقًا"، أو جلسات خاصة لقراءة الطالع، مقابل مبالغ طائلة. هذا الاستغلال، المبني على وهم المعرفة والسيطرة على المستقبل، يضر خاصة أولئك الذين يعيشون في ظروف نفسية صعبة، ويبحثون عن إجابات سريعة أو مبررات سهلة لما يمرون به.

في النهاية، لا ضير في أن يقرأ الإنسان الأبراج كتسلية، ولكن الخطر يكمن حين تتحول إلى نظام تفكير يُسيّر قرارات الإنسان وتفاعلاته. فالاعتماد على الأبراج يضعف من قوة الإرادة، ويزرع الوهم بدلًا من الحقيقة، ويقيد العقل في دائرة من التكرار والانتظار، بدلًا من أن يدفعه إلى الفعل والتغيير.

الوعي هو السبيل. ومتى ما أدرك الإنسان أن مصيره يصنعه بيديه، لا بنجمه أو برجه، فإنه يبدأ أول خطوة نحو الحرية الحقيقية.