حديث "إنما الأعمال بالنيات"
حديث إنما الأعمال بالنيات:
الحديث النبوي الشريف هو المصدر الثاني للتشريع في الإسلام بعد القرآن الكريم، ومن بين الأحاديث التي احتلت منزلة عظيمة بين العلماء حديث النبي ﷺ: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى...". هذا الحديث يُعَدّ من جوامع كَلِم الرسول ﷺ، فهو يضع قاعدة كلية تدخل في كل أبواب الدين من عقيدة وعبادة ومعاملة وأخلاق. وقد أجمع العلماء على أنه من الأحاديث التي يقوم عليها الإسلام، حتى قال بعضهم: يدور الدين على أربعة أحاديث، منها هذا الحديث.
إنّ معرفة معاني هذا الحديث وفهم مقاصده أمر في غاية الأهمية لكل مسلم، لأنه يوجّه القلب قبل الجوارح، ويصحح العمل قبل صورته، ويزرع في الإنسان قيمة الإخلاص لله تعالى في كل شؤون حياته.
نص الحديث الشريف
روى الإمام البخاري والإمام مسلم عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول:
"إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه."
مكانة الحديث عند العلماء
اعتبر العلماء هذا الحديث أصلًا من أصول الدين، لذلك بدأ به الإمام البخاري كتابه "الجامع الصحيح" إشارةً إلى أن كل عمل بلا نية لا ثمرة له.
قال الإمام الشافعي رحمه الله: يدخل هذا الحديث في سبعين باباً من الفقه.
وقال الإمام أحمد: أصول الإسلام تدور على ثلاثة أحاديث: حديث عمر "إنما الأعمال بالنيات"، وحديث عائشة "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"، وحديث النعمان بن بشير "الحلال بيّن والحرام بيّن".
وقال العلماء: هذا الحديث هو ميزان باطن الأعمال، بينما حديث "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد" هو ميزان ظاهر الأعمال.
شرح ألفاظ الحديث
إنما الأعمال بالنيات: أي أن صحة الأعمال وقَبولها عند الله متوقف على النية، فلا عبادة بلا نية.
وإنما لكل امرئ ما نوى: الإنسان لا يحصل من عمله إلا ما قصده بنيته؛ فإن كانت صالحة فله أجرها، وإن كانت فاسدة فلا أجر له.
فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله: أي من قصد بهجرته رضا الله وطاعة رسوله ﷺ، فهجرته مقبولة.
ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها: من جعل قصده دنيوياً محضاً، فليس له إلا ما نواه دون أجر الآخرة.
أهمية النية في الإسلام
1. شرط لصحة العبادات
العبادات كلها مرتبطة بالنية، فلا تصح صلاة بلا نية، ولا صيام ولا زكاة ولا حج. فالمسلم حين يقوم إلى الصلاة يميز بقلبه أنه يصلي لله، ويميّز أي صلاة يؤديها، وهذا كله بالنية.
2. تمييز العادات عن العبادات
الإنسان قد يقوم بأفعال حياتية يومية مثل الأكل والنوم والعمل، وهذه في الأصل عادات، لكن إذا نوى بها التقوّي على طاعة الله تحولت إلى عبادات يؤجر عليها.
3. الإخلاص أساس القبول
الله تعالى لا ينظر إلى صور الأعمال ولكن إلى القلوب والنيات. وقد قال سبحانه:
﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ﴾ [البينة: 5].
فالعمل إذا كان لغير الله بَطَلَ ثوابه وإن كان في ظاهره صالحاً.
4. مضاعفة الأجر بالنية
قد يُكتب للعبد أجر عمل لم يفعله لمجرد نيته، كما في حديث: "إن بالمدينة رجالاً ما سرتم مسيراً ولا قطعتم وادياً إلا كانوا معكم، حبسهم العذر" رواه البخاري.
نماذج تطبيقية للحديث
الهجرة: كما ورد في نص الحديث، فالهجرة قد تكون لله ورسوله فتُثاب، وقد تكون لأغراض دنيوية فلا ثواب فيها.
طلب العلم: من طلب العلم ابتغاء وجه الله أثيب، ومن طلبه للرياء أو الجاه لم يُقبل عمله.
الصدقة: قد يتصدق الإنسان بالمال، فإن قصد بها وجه الله قُبلت، وإن قصد بها السمعة والمدح رُدّت.
العمل الدنيوي: كالتجارة أو التعليم أو الزراعة، إذا نوى بها الإنسان الكسب الحلال لإعالة أهله وخدمة الناس نال أجراً عظيماً.
أقوال العلماء في النية والإخلاص
قال ابن القيم: النية روح العمل ولبّه وقوامه، والعمل تابع لها، يصح بصحتها ويفسد بفسادها.
وقال الفضيل بن عياض: ترك العمل لأجل الناس رياء، والعمل لأجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما.
وقال سفيان الثوري: ما عالجت شيئاً أشد عليّ من نيتي، إنها تتقلب عليّ.
الدروس والعبر المستفادة من الحديث
الإخلاص شرط لكل عمل: فلا ينفع علم ولا عبادة ولا جهاد إن لم يكن لله.
التربية على محاسبة النفس: على المسلم أن يسأل نفسه قبل العمل: لماذا أفعل هذا؟
شمولية النية: يمكن تحويل كل لحظة في حياة المسلم لعبادة إذا صاحبتها نية صادقة.
الحذر من الرياء: لأنه آفة الأعمال، وقد قال النبي ﷺ: "أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر"، قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء.
مقارنة بين الدنيا والآخرة: من قصد الدنيا فقط حصل عليها لكنه خسر الآخرة، ومن قصد الله جمع الله له خير الدنيا والآخرة.
أثر الحديث في حياة المسلم
يجعل المسلم حريصاً على تصحيح قلبه قبل حركاته.
يحوّل الحياة اليومية إلى سلسلة من الطاعات، فالأكل نوم وراحة تصبح عبادة إذا نوى بها التقوّي على الطاعة.
يرسّخ قيمة الإخلاص التي تبني شخصية صادقة لا تبحث عن مديح الناس.
يعلّم المسلم أن الأعمال الظاهرة ليست معياراً للتفاضل، بل ما في القلوب هو الأساس.
حديث "إنما الأعمال بالنيات" حديث جامع، يضع قاعدة كبرى في الدين تقوم على أن الأعمال لا تُقبل إلا بالنية الخالصة لله تعالى. وهو يوجّه المسلم ليجعل كل شأن من شؤون حياته عبادة، وليطهر قلبه من الرياء والسمعة، وليتذكر أن الله لا ينظر إلى الصور والأشكال ولكن ينظر إلى القلوب والنيات. ومن التزم بهذا الحديث علماً وعملاً، صار عمره كله طاعة، وحياته كلها عبادة، ونال رضا الله في الدنيا والآخرة.
لقراءة المزيد عن ادعية تيسير الامور وراحة القلب ..اضغط هنا
لقراءة المزيد عن حديث اليمن اخر الزمان..اضغط هنا
لقراءة المزيد حول حديث العشرة المبشرين بالجنة..اضغط هنا