بين اللغة والهوية: الأدب كمرآة لوعي الأمة
في عالمٍ يموج بالتحوّلات السريعة، تبقى اللغة والأدب بمثابة الحصون الأخيرة التي تقاوم الذوبان الثقافي والانجراف في تيارات العولمة. فالأدب ليس مجرد انعكاس لحالات فردية أو سرد لحكايات عابرة، بل هو بمثابة البوصلة التي تقود وعي الأمة، وتُعيد تشكيل الذاكرة الجماعية والهوية الجمعية على السواء.
إنّ الكتابة الأدبية، خصوصًا في سياقاتنا العربية، لا تُفهم إلا ضمن شبكة معقدة من التوترات: بين الحداثة والتراث، الذات والآخر، الحرية والرقابة، الصمت والبوح. ولعلّ ما يُميّز الأدب العربي الحديث هو سعيه الدائم لتجاوز الجمود، ومحاولة فهم الذات في ظلّ انهيارات متتالية على المستويات السياسية والاجتماعية.
الأدب، في جوهره، فعل و مقاومة. مقاومة للنسيان، للظلم، للتهميش، للاغتراب. الكلمة، حين تُكتب من رحم المعاناة، تصبح خنجرًا في خاصرة القهر، وجسرًا بين ما كنا وما نطمح أن نكون. وهذا ما يجعل الرواية مثلاً، لا تُقرأ من أجل التسلية فحسب، بل من أجل كشف المستور، وفضح المستبد، وتقديم سرديات مضادة للخطابات الرسمية.
أثبتت النصوص الكبرى أن الأدب العربي ليس غائبًا عن الهمّ السياسي، ولا منزّهًا عن التورّط في المعركة من أجل الحرية والعدالة. بل هو في قلبها، يكتب بالدم تارة، وبالحبر تارة، لكنه لا يصمت.
ولعلّ ما نحتاجه اليوم، وسط هذا الضجيج الإعلامي والانفجار الرقمي، هو العودة إلى الأدب كفعل تأملي، يعيد ترتيب الفوضى التي نعيشها، ويمنحنا فرصة لفهم ذواتنا، لا كما نُقدَّم في نشرات الأخبار، بل كما نحن في أعماقنا: هشّون، مشوشون، لكن نحمل بذور الحلم في داخلنا.
إن الأدب ليس ترفًا فكريًا، ولا تكرارًا لصيغ جمالية مألوفة، بل هو شريك أساسي في معركة الوعي. وإذا أردنا مستقبلًا نملك فيه زمام الحكاية، فعلينا أن نقرأ ونكتب، لا لنملأ الفراغ، بل لنخلق فضاءً جديدًا يُعبّر عنّا، ويؤسس لذاكرة لا يمكن محوها.