تحديثات الأخبار

 

قراءات من الصحافة الإسرائيلية

ارتبطت أسطورة "أرض الميعاد" التي استعارت بها الحركة الصهيونية في نهاية القرن التاسع عشر لتبرير مشروعها الاستيطاني في فلسطين بغيرها من الأساطير التلمودية والتوراتية.

ومن أبرز هذه الأساطير أسطورة البقرة الحمراء، حيث أمر موسى عليه السلام قومه بجلب بقرة حمراء لذبحها ثم حرقها لتطهير خيمة الاجتماع وبقية الشعب، ويحيي اليهود ذكرى هذه الحادثة  سنويا فيما يعرف "بعيد الأنوار"، لكن دون مراسم التطهير بسبب عدم وجود الهيكل، (خيمة الاجتماع تمثل الهيكل المتنقل التي كان يحتفظ بني إسرائيل بتابوت العهد داخلها ويحملوها معهم أينما ذهبوا). (سفر العدد:19: 1-10).

وبحسب أسفار العهد القديم فإن داوود عليه السلام أقام تلك الخيمة في القدس، إلا أن ولده سليمان ارتأى أن الخيمة لا تليق بمقام الرب فبنى له هيكلا مكانها واستبدل الخيمة بغرفة مكعبة كانت تسمى "قدس الأقداس". (سفر الملوك الأول، إصحاح 5).

وتدعي الجماعات المتطرفة اليهودية والصهيونية بأن المسجد الأقصى مبني على أنقاض ذلك الهيكل، وأن مسجد قبة الصخرة المشرفة تحديدا يحتل مكان الخيمة أو غرفة "قدس الأقداس".

ومنذ احتلالها لفلسطين عام 1917 باشرت بريطانيا عرابة وعد بلفور بإرسال العديد من بعثات الحفر والتنقيب المتتالية إلى فلسطين وإلى مدينة القدس على وجه الخصوص بحثا عن ذلك الهيكل أسفل المسجد الأقصى دون جدوى.

وبعد وقوع القدس تحت سطوة الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 تابع أعمال الحفر والتنقيب عالم الآثار الإسرائيلي "بن يامين مزار" في الجهة الواقعة أسفل الجدار الجنوبي للمسجد الأقصى لتتكلل  جهوده عام 1969بخيبة الأمل عند اكتشاف أن ما كان يدعي أنه بقايا قصر سليمان الملاصق للهيكل المزعوم عبارة عن قصور أموية إحداها قصر لعبد الملك بن مروان والأخر دار للإمارة والضيافة الأموية.

 تلتها عشرات عمليات الحفر والتنقيب والعبث بأساسات المسجد الأقصى التي لحقت بها أضرارا جسيمة جراء عمليات التنقيب العبثية، فوجدوا آثارا كنعانية ويونانية ورومانية وبيزنطية وإسلامية، ولم يحالفهم الحظ في الكشف عن حجر واحد من الهيكل المزعوم أو أي أثر يشير إلى وجوده.

وفي 25 أيلول 1996، أقدمت السلطات الإسرائيلية على افتتاح مصلى يهودي في أحد الأنفاق المحفورة بفعل أعمال التنقيب أسفل المسجد الأقصى، في مراسم دينية تحت عنوان وضع حجر الهيكل، الأمر الذي رفضه الشعب الفلسطيني، حيث عبر عن مشاعر غضبه من خلال ما عرف بانتفاضة النفق، وقدم في سبيل ذلك مئات الشهداء وآلاف الجرحى والأسرى.

تزامن افتتاح المصلى اليهودي أسفل الحرم القدسي الشريف مع تقارير ضجت بها الصحافة الأمريكية والإسرائيلية عن ميلاد بقرة حمراء تدعى "ميلودي" في مستوطنة كفار حاسيديم التي كانت الأولى من نوعها منذ ألفي عام على تدمير الهيكل الثاني عام 70 م على يد القائد الروماني طيطس.

وما لبث أمناء الهيكل أن يفرحوا بميلاد البقرة السعيدة "ميلودي" حتى عكر حاخامات الحاسيديم فرحتهم بالقول إن "هذه البقرة لا يمكن لها أن تكون بقرة تطهير الهيكل لأنها مولودة بتخصيب اصطناعي من ثور سويسري وذلك لا ينطبق مع مواصفات بقرة الهيكل.

وحال تولي المتطرف "بن غفير" منصب وزير الأمن الداخلي لدولة الاحتلال عام 2022 كان ملف بقرة الهيكل الحمراء حاضرا بقوة على رأس ملفات حقيبته الوزارية، وتابع بشكل شخصي وحثيث أعمال فريقه الخاص للبحث والتحري عن البقرة السعيدة، حتى تكللت جهوده المبجلة بإحضار 5 بقرات وليس بقرة واحدة إلى إسرائيل.

وبحسب تقرير نشرته صحيفة معاريف الإسرائيلية فإن الحاخام "يسرائيل أرئيل" ـ رئيس معهد الهيكل في القدس والأب الروحي لإيتيمار بن غفير تابع عمليات البحث عن "بقرة الخلاص والتطهير" بمساعدة الكنائس والمجامع الإنجيلية في الولايات المتحدة وبريطانيا وعلى رأسها منظمة "بونا إسرائيل" المركبة من قساوسة إنجيليين مناصرين لإسرائيل ومتطرفين يهود تحت إشراف شخص يدعى "تساحي مامو".

وفي شهر أغسطس 2023 نشرة القناة 12 العبرية تحقيقا استقصائيا أجراه الصحفيان الإسرائيليان "عاموري منيف وماليخ ريبر شلاج"، وكشفا فيه عن تفاصيل وصول 5 بقرات حمر على متن طائرة قادمة من ولاية تكساس الأمريكية إلى إسرائيل خلال العام 2022.

كما توصل الصحفيان "ماليخ وشلاج" عبر سلسلة من المقابلات الخاصة التي أجرياها مع أشخاص ذوي علاقة، إلى معلومات مفادها أن المنظمات اليمينية اليهودية ليست وحدها المعنية يأمر البقرات، بل إن هناك مسؤولون كبار وعلى رأسهم وزير الأمن الداخلي بن غفير ومسؤولون من وزارة شؤون القدس والتراث ووزارة الزراعة ووزارة الخدمات الدينية والاستيطان وحتى وزارة التعليم الإسرائيلية ضالعون في إنجاح عملية وصول الأبقار بالسلامة إلى إسرائيل.

وفي لقاء خاص أجراه الصحفيان، صرح مدير عام وزارة القدس والتراث "ناثانيال يتسحاق" بأنه لا يؤيد وصول الأبقار فحسب بل أنه توجه بنفسه إلى مطار "بن غوريون" لاستقبالهن، وحضر شخصيا الحفل الذي أقيم على شرفهن  في مستوطنة تشيلا في الضفة الغربية، وتم خلاله محاكاة ذبح إحدى البقرات وحرقها وتطهير الهيكل برفاتها، وحضره كذلك رئيس معهد الهيكل الحاخام "يسرائيل أرئيل" والعديد من الكهنة والحاخامات ومسؤولين حكوميين لم يفصح عن أسمائهم.

ووثق الصحفيان فيديو مسجل لعملية البحث عن مكان البقرات إلى أن عثرا عليها في إحدى مزارع وادي بيسان التي تتبع لرعاية "حاخامات الهيكل"، وكانت البقرات محفوظة داخل حضيرة منعزلة عن باقي الأبقار، ومحاطة بكاميرات المراقبة من كل جانب، وحال وصولهما إليها سارعت دورية تابعة لأمن المنطقة بإبعادهما عن المكان دون الإفصاح عن الأسباب.

وبحسب شهادات الحاخامات الذين أجرى الصحفيان معهم المقابلات فإنه كان من المفترض أن تبلغ إحدى البقرات العامين خلال شهر يناير 2024، وذلك أحد شروط صلاحها لتطهير الهيكل بالإضافة إلى شرط كونها حمراء دون وجود شعرتين من لون آخر في أي جزء من جسدها، حتى يتم ذبحها وحرقها على مذبح الهيكل وتنثر رفاتها في جميع أركانه وعلى رؤوس الشعب ليتم تطهير الهيكل وتطهيرهم، مؤكدين انهم حصلوا على تعهدات من مسؤولين يمينيين في حكومة نتانياهو بتهيئة الظروف اللازمة لإحيائهم شعائر ذبح وحرق البقرة في ساحات المسجد الأقصى مقابل قبة الصخرة المشرفة.

وبينما كان رعاة الأبقار غارقين في غمرات فرحتهم المرتقبة، إذ بأولى لعنات العقد الثامن تأتيهم على حين غرة صباح الـ07 من أكتوبر.

 أما أبقار "بن غفير" فكانت الأسعد حظا في إسرائيل، فقد صرح أحد الحاخامات القائمين على رعايتها ويدعى "يوسي ناغينال": "هذه الأبقار مسها "سوء الوجه " أي أنها كانت نحس على إسرائيل، (وهذه من الأدبيات التلمودية الشائعة في إسرائيل)، الأمر الذي يفسد صلاحيتها لتطهير الهيكل، ويجب إبعادها خارج أرض إسرائيل بأسرع وقت والبحث عن غيرها".

 

فهل نحن أمام واقع مرير، أم جمهور مسرحية هزلية؟

 مؤيد الدبس