قصة قابيل وهابيل... أوّل جريمة في التاريخ البشري
عبر آيات القرآن الكريم، تتجلّى لنا اوّل مأساة عرفتها الأرض: قصة قابيل وهابيل، ابني آدم عليه السلام، في حادثةٍ لم تكن مجرد خلافٍ عائلي، بل كانت أول جريمة قتل في التاريخ البشري، حُفرت تفاصيلها في الذاكرة الإنسانية إلى الأبد، لما تحمله من معانٍ عميقة عن الغيرة، الحسد، والعدالة الإلهية.
بداية القصة: زواج مفروض ونفسٌ ممتلئة بالغيرة
ولد لآدم عليه السلام من زوجته حواء توأمان: قابيل وأخته، وهابيل وأخته. وكان من شريعة ذلك الزمان أن يتزوّج الذكر من توأم أخيه، حفاظًا على النسل. لكن المشكلة بدأت عندما رفض قابيل هذا الترتيب، لأن توأم هابيل كانت أجمل من توأمه، فأرادها لنفسه، وثار على القسمة التي ارتضاها آدم بأمر من الله. ولحسم الخلاف، أمر الله سبحانه وتعالى أن يقدّم كلٌ منهما قربانًا، ومن يُقبل قربانه فهو الأحق. قدّم هابيل أضحية من أفضل أغنامه، بينما قدّم قابيل شيئًا من زرعه، ليس عن طيب نفس، بل بلا إخلاص أو نيّة صافية.
الحسم الإلهي… ثم القتل
نزلت نار من السماء، فأكلت قربان هابيل، دلالةً على القبول، ورفضت قربان قابيل. لم يتقبّل قابيل النتيجة، وانفجرت في داخله مشاعر الحسد والغضب، فقال لأخيه:
“لأقتلنّك”.
جاء ردّ هابيل نقيًا وهادئًا، فقال:
“إنما يتقبل الله من المتقين، لئن بسطت إليّ يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك، إني أخاف الله رب العالمين”.
هابيل، على الرغم من قوته الجسدية والعقلية، اختار ألا يقابل العدوان بعدوان، بل قدّم نموذجًا نادرًا في التسليم لقدر الله والخوف من غضبه.
لكن قابيل لم يحتمل هذه الطهارة، فطاوعت له نفسه، وارتكب الجريمة الكبرى: قتل أخيه، ليصبح أول قاتل في الأرض.
“فأصبح من الخاسرين”.
درْس من غراب… وندم متأخّر
بعد ارتكاب الجريمة، وقف قابيل أمام جثة أخيه حائرًا: ماذا يفعل بها؟ لم يكن يعرف كيف يواريها عن أعين الحيوانات أو الناس. فتركها، يحملها تائهًا، يثقل بها ضميره كما يثقل بها ظهره.
حتى بعث الله غرابًا يبحث في الأرض، ويحفر بمنقاره ليُخفي جثة غرابٍ آخر كان قد قتله. نظر قابيل إلى المشهد بدهشة، وصرخ نادمًا:
“يا ويلتا! أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب؟!”
تعلّم قابيل من الغراب ما لم تعلّمه له فطرته، فحفر حفرة ودفن فيها جسد أخيه، لكن الألم لم يُدفن معه، بل بقي معه ندمًا أبديًا، يلازمه إلى يوم القيامة.
رسائل عابرة للزمن
قصة قابيل وهابيل ليست فقط حكاية أول جريمة قتل، بل هي مرآة للنفس البشرية حين يُغشيها الحسد، ويغيب عنها نور التقوى.
هي تذكيرٌ أن القرب من الله ليس بالمظاهر، بل بنقاء السريرة.