نجم سُهَيْل (Canopus): مؤشّر زمني في الوعي العربي القديم والحديث
يحتلّ نجم سُهَيْل مكانة خاصة في الذاكرة الثقافية العربية قديما وحديثا. فمع طلوعه في أواخر أغسطس تقريبًا، يشعر الناس بأن وهج الصيف بدأ يلين وأن نسمات الليل صارت ألطف هذا الارتباط بين سُهَيْل والطقس ليس خرافة، بل ملاحظة تراثية ذكية اقترنت بدورة الفصول، حتى صار سُهَيْل بمثابة “إشارة بدء” لموسم ألطف في الجزيرة العربية ومناطق واسعة من الوطن العربي.
ما هو سُهَيْل ولماذا هو لامع جدًا؟
سُهَيْل هو النجم المعروف عالميًا باسم Canopus، وهو ثاني ألمع نجم في السماء الليلية بعد الشعرى اليمانية (Sirius) يبعد عن الأرض بضعة مئات من السنين الضوئية، وينتمي لفئة النجوم العملاقة الفائقة ذات اللون الأبيض المائل للصفرة. لمعانه الاستثنائي يجعله لافتًا للعين المجرّدة حتى من المدن وإن كانت الرؤية الأفضل دائمًا في الأماكن الأقل تلوّثًا ضوئيًا. موقعه السماوي جنوبيّ بوضوح، لذلك يسهل على سكّان شبه الجزيرة العربية واليمن وجنوب العراق وبلاد الشام ومصر وشمال إفريقيا رصده منخفضًا فوق الأفق الجنوبي، بينما يغيب عن العروض الشمالية العالية.
متى وأين نراه؟
يبدأ ذكر سُهَيْل في الأخبار الشعبية والفلكية مع أواخر أغسطس، إذ يُرى أولًا قبيل الفجر منخفضًا في الجنوب. ومع تقدّم الأسابيع، يرتفع قليلًا ويُشاهد في ساعات أبكر من الليل خلال سبتمبر وأكتوبر. يختلف “أول طلوع” سُهَيْل من مدينة لأخرى تبعًا لخط العرض والطقس وصفاء الأفق، لذا من الطبيعي أن يراه أهل مدينة قبل جيرانهم بأيام. إن كنت في مدينة ساحلية أو في صحراء مفتوحة بأفق جنوبي مكشوف، ففرصتك أفضل لرؤيته بوضوح.
لماذاارتبط سُهَيْل بانكسار الحر؟
علميًا، تغيّر الحرارة مرتبط بميل محور الأرض وحركتها حول الشمس، لا بالنجوم نفسها. لكن العرب ربطوا طلوع سُهَيْل، كـمؤشّر زمني ثابت، ببداية مرحلة انتقالية من صيف لاهب إلى جوّ يميل للاعتدال، خصوصًا في الليل. انعكس ذلك في أمثالهم مثل: “إذا طلع سُهَيْل لا تأمن السيل”، في إشارة إلى بدء مواسم الأمطار ببعض الأقاليم، و“إذا طلع سُهَيْل برد الليل واعتدل المخيل” أي السحاب الماطر. هذه الأقوال لا تعني علاقة سببية، لكنها تلخّص خبرة تراكمت عبر قرون من المراقبة.
قيمته في التراث والملاحة
حضر سُهَيْل في التقويم النجمي العربي الذي قسّم السنة إلى منازل لكل منها دلالات مناخية وزراعية. ومع طلوعه، كان المزارعون يضبطون أعمالهم على مراحل اعتُبرت أوفق للزرع أو الحصاد أو السفر. كذلك استخدمه الملاحون في البر والبحر كنجم دليلي: موقعه الجنوبي ولمعانه الملحوظ يجعلان التعرف عليه سهلًا، ومن ارتفاعه الزاوي يُستدل تقريبًا على خطوط العرض أثناء الإبحار.
كيف ترصده بعينك؟
1.اختَر وقتك: جرّب في أواخر أغسطس وما بعده. في بدايات الموسم ابحث عنه قبل الفجر، ثم أبكر فأبكر مع تقدّم الخريف.
2.اتجه جنوبًا: قف في مكان مكشوف الأفق الجنوبي، بعيدًا عن المباني والجبال قدر الإمكان.
3.خفّف الأضواء: كلما قلّ التلوّث الضوئي زادت فرص رؤيته بصفاء. أعطِ عينيك 10–15 دقيقة للتأقلم مع الظلام.
4.أدوات اختيارية: لا يحتاج سُهَيْل لتلسكوب، لكن منظارًا ثنائيًا بسيطًا يساعد على تأكيده ورؤية نجوم مرافقة خافتة.
أسئلة سريعة
•هل يُرى في كل الوطن العربي؟ في معظمه نعم، لكن ارتفاعه يختلف. كلما اتجهت شمالًا انخفض أكثر وصعُبت رؤيته.
•ما لونه؟ يظهر أبيض يميل للصفرة، وقد يميل للاحمرار إذا كان منخفضًا جدًا بسبب طبقات الغلاف الجوي القريبة من الأفق.
•هل يعني طلوعه اعتدالًا فوريًا؟ لا، هو بداية مرحلة انتقالية؛ التحسن يكون تدريجيًا ويختلف بين المناطق.
سُهَيْل ليس مجرّد نقطة مضيئة في السماء، بل ساعة طبيعية علّمَت الناس توقيتاتهم الزراعية والبحرية وشكّلت جزءًا مهمًا من الذاكرة الثقافية العربية. ومع كل ظهور جديد له، يتجدد إحساس قديم لدى الناس بأن فصول السنة تتحرك على إيقاع مألوف؛ فبطلوع سُهَيْل تبدأ حكاية الخريف العربي، بين نسمةٍ ألطف وسماءٍ أوضح ووعدٍ بمطرٍ قريب