قصة ضيف إبراهيم.. حين يزورك الملائكة وانت لا تعلم
في مشهد من أعظم مشاهد الإيمان والخضوع، امتثل نبي الله إبراهيم عليه السلام لأمر ربّه، حين أُمر بذبح ابنه إسماعيل، عليه السلام، وامتثل كلاهما دون تردد. كان هذا الموقف امتحانًا آلهيًا، ونجح فيه الخليل نجاحًا عظيمًا، فجازاه الله بفيضٍ من النعم، وبشّره بولدٍ آخر هو إسحاق، عليه السلام، كما قال تعالى: "وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ".
ولم تقف المنن الإلهية عند هذا الحد، بل تتابعت، وكان من أعظمها زيارةٌ غير متوقعة من ضيوفٍ مميزين.
الضيوف الملائكيون
ذات يوم، دخل على إبراهيم عليه السلام رجال غرباء، لم يعرفهم، ولم يَظهر عليهم ما يدل على كونهم ملائكة. لكن إبراهيم، الذي عُرف بكرمه وإكرامه للضيف، لم يتردد. فبادر مسرعًا يذبح عجلًا سمينًا، ويقوم بشوائه، ثم يُحضره إليهم ساخنًا، طيب الرائحة.
هذا الكرم ليس غريبًا على خليل الرحمن، فقد كان لا يأكل وحده قط، وإن لم يجد ضيفًا دعا من يشاركه طعامه.
لكن ما أثار قلقه هذه المرة، هو أن الضيوف لم يمدّوا أيديهم إلى الطعام. وهنا، ارتابت نفسه، فالعرب قديمًا كانوا يرون في امتناع الضيف عن الأكل علامة على وجود نية سيئة، أو عداء خفي.
الملائكة تطمئن إبراهيم
رأى الضيوف علامات الخوف على وجه إبراهيم، فأخبروه بأنهم ليسوا من البشر، بل ملائكة أرسلهم الله بمهمة عظيمة: إنزال العذاب على قوم لوط الذين طغوا في الأرض.
وفي تلك اللحظة، كانت السيدة سارة، زوجة إبراهيم، تستمع للحوار، ففاجأها خبر زيارة الملائكة، ثم جاءها ما هو أعجب: بشّرتها الملائكة بأنها ستنجب ابنًا هو إسحاق، وأنها ستشهد كذلك ولادة حفيدها يعقوب.
سُرّت سارة، ولكنها تعجبت، قائلة: “أألد وأنا عجوز، وهذا بعلي شيخًا؟” فقد كانت تعلم أنها عاقر، لم تنجب من قبل، وزوجها كذلك كان شيخًا كبيرًا في العمر. لكن قدرة الله فوق كل تصور، فهو القائل:
"قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۖ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ۚ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ".
رسالة القصة
قصة ضيف إبراهيم ليست مجرد حكاية دينية، بل درس خالد في الكرم، والثقة بالله، والإيمان بقدرته المطلقة. هي رسالة أن لا شيء مستحيل على الله، وأن النعم قد تأتيك من حيث لا تدري، وبهيئةٍ لا تتوقعها.