الذكاء الاصطناعي: بين الخوف والتكيف
يقول المثل الشعبي “إذا كبر ابنك خاويه” إشارة لمحاولة تجنب الصدام بين الأب وابنه الناتج عن اختلاف الأجيال وما يتبعه من تفاوت في الرؤية والفكر وتقدير الأمور، والاتجاه نحو تكوين علاقة صداقة واحتواء لتحقيق النتيجة المرغوبة وهي “التربية الحسنة” بطريقة دبلوماسية بدلاً من الرفض والتعنيف.
يستحضرني هذا المثل حين أرى موقف البعض من الذكاء الاصطناعي، الذي صار حاضرًا في حياتنا بشكل لا يمكن تهميشه، فقد صار فردًا من كل عائلة، وصديق لمن لا صديق له، وطالب مع طلبة العلم، وطبيب نفسي لمن أكلت قلبه الهموم، فهو الجليس الذي لا يغادرنا.
يرى البعض أن هذا الذكاء نقمة لا نعمة، فهو يحاول إقصاء الذكاء البشري، وتحجيم قدراتهم، وأخذ أدوراهم العملية والمجتمعية، أتفق معهم في جزيئية تحجيم القدرات، فالعقل مثل العضلة إذا لم تتمرن يوميًا فستفقد قدراتها، وهذا حال البعض مع هذه الثورة، فقد قرر أن يأخذ عقله ويجلس في آخر مقعد في الصف الدراسي، ويستخدم الآلة لتفكر وتجيب عنه، وتجمع المعلومات وتستنتج، ونسي أن مهما بلغ هذا الذكاء من سرعة في جمع الداتا، وقدرة على ربطها إلا أنه يفتقر للإبداع، فلا يخفى على أحد أن ما يصدر عنه يتميز بالجمود وخواء الروح، فهو بنك للمعلومات وليس مُولّدها، فهذه صنيعتنا نحن البشر.
ولكن مع اجتياح الذكاء الاصطناعي لحياتنا، أرى أن كلمة “خاويه” هي التي يجب أن تحدد مسار علاقتنا معه، فلا يمكن أن نغلق على أنفسنا الباب ونتكور على حاضرنا وأدواته، ونترك العالم يعيش تطوره ويتقدم، وبعد سنوات سيفرض علينا هذا التطور كدول وأفراد بدائيين، لأننا في النهاية متصلين بهذا العالم الكبير بداية من التجارة والصناعة والطب والبيئة، لذا يجب أن نباشر باستيعاب هذا العلم، وترويضه بما يخدمنا.
إن وجود الذكاء الاصطناعي ومن يقف خلفه في دولنا تحصيل حاصل، وبما أننا لا يمكننا رفضه ومنعه من التواجد في حياتنا، فالحكمة توجب علينا أن نحاول جعله شرعيًا بطريقة يمكننا السيطرة على استخدامه، لذا التثقيف في الشيء أفضل من نكرانه.
فبدلاً من رفضه في مجال التعلم والبحث من قبل الأساتذة، يجب تعليم الطلاب عليه بشكل يساعدهم دون أن يلغيهم، وأقصد أن يستفيدوا من سرعته في إحضار المعلومة مثلاً دون أن يكمل دورهم كطالب علم في الفهم والاستنتاج، خاصة أن هناك برامج ستكشف إذا لجأ الطالب إلى الذكاء الاصطناعي في كتابة مقالاته وأبحاثه وحل واجباته.
إن ترك هذا المجال الآلي والفضفاض بين يدي الجيل الجديد دون مراقبة من قبل المتخصصين وأهل العلم، ستفتح لهم أبواب قد تكون خطرة عليهم كأفراد وكمجتمعات، وهذا ما قاله إيلون ماسك: “أميل بشكل متزايد إلى الاعتقاد بضرورة وجود رقابة تنظيمية، ربما على المستويين الوطني والدولي، لضمان عدم ارتكابنا أي حماقة. أعني أننا، بالذكاء الاصطناعي، نستدعي الشيطان”.
فبدلاً أن نستيقظ على مجتمع تسوده الشياطين من الناحية الأخلاقية والأمنية وجب علينا تسليح الأفراد بالوعي الكافي لإدارة هذا العلم بما يفيدنا، وكيفية استخدامه، ومعرفة سلبياته وكيف ستؤثر علينا، وما مقدار المعلومات الخاصة التي يمكن أن نشاركه لهذا الذكاء، والدرجة التي يمكن أن نعتمد عليه في الأمور الصحية والإستشارات العاطفية، فكل هذا يوجب علينا مسؤولية جمعية.