في زوايا البيت تختبئ رسائل الانتظار
بقلم نسرين ناصر– فلسطين
في أحد أحياء مدينة الخليل، تعيش الحاجة أم نضال، امرأة في الستين من عمرها، ملامحها حادة كالصبر المتجمد، وصوتها دافئ كأغاني الأمهات التي تسري مع نسيم الفجر.
منذ اعتقال ابنها نضال قبل 12 عامًا، تغيّر كل شيء في البيت… حتى النوافذ صارت تتنفس الحنين، والجدران تحفظ الهمس والدعاء.
في غرفة صغيرة تضيئها صورة نضال بالحبر الباهت، تجلس أم نضال كل صباح أمام صندوق خشبي، تحفظ فيه رسائل ابنها من السجن، مرتّبة بتواريخ دقيقة وكأنها تحفظ بها نبضات قلبها.
تمسك برسالة كتبها ابنها عام 2014، وتقول بابتسامة باهتة:
“كان دايمًا يحكيلي: يما، لا تبكي، أنا قوي
بس أنا .. كنت أبكي أول ما أشم ريحة الورقة.”
كل رسالة تحمل نكهة مختلفة. بعضها مليء بالكلمات، وبعضها لا يتجاوز سطرًا واحدًا:
“يما، أنا مشتاق… خَبّيلي زعتر للعيد.”
تحكي أم نضال كيف كانت تحضّر له كيس الملابس كل 3 شهور، تغسلها بماء الورد وتخبّئ في طياتها رسالة سرّية، تقصّ فيها عليه أخبار الحي، من تزوّج، من مات، ومن رزق بطفل جديد. تقول:
“كنت أكتب له عن كل شي، حتى لو بسيط… كنت بدي يحس إنه عايش معنا، وما غاب.”
رغم مرور السنوات، لم تفقد الأمل. كل صباح جمعة، تمسح صورته بلطف، تشعل شمعة صغيرة، وتهمس بدعائها المعروف:
“يا رب، ترجعلي ابني واقف على الباب… مش ملفوف بعلم.”أحيانًا، تجلس أمام صورته دون أن تنطق بكلمة… فقط تلمس الزجاج كأنها تلمس خده، وتهمس:
“تصبّح على وطن يا نضال.”
في زوايا بيتها لا تزال الرسائل مخبّأة، لكن قلبها ما زال يكتب كل يوم رسالة جديدة…
رسالة عنوانها: “أنا ما زلت أؤمن.”
تظلّ أم نضال مثالًا حيًا لقلب الأم الفلسطينية الذي لا يشيخ، لا يستسلم، ولا ينسى. قلب ينتظر، ويكتب، ويُصلي… ويحفظ الوطن في تفاصيل الرسائل.