كيف تحافظ على أموالك وتستثمر بحكمة: هل تختار الذهب أم العقار؟
بين تداعيات الصراعات التجارية التي أثارها ترامب والتحولات الجيوسياسية المتسارعة، يقف الاقتصاد العالمي اليوم على شفا أزمة معقدة وغير مسبوقة.
حرب تجارية محتدمة، ارتفاع غير مسبوق في مستويات التضخم، شح السيولة المالية، وتضخم ديون عالمية تتجاوز 320 تريليون دولار كلها عوامل تضغط على النظام المالي بشدة. أضف إلى ذلك الهشاشة التي تعترى الأسواق والتي يمكن أن تهتز بمجرد نشر تغريدة واحدة من البيت الأبيض، ليظل التساؤل المحوري: كيف يمكن للأفراد والمستثمرين الاستعداد لهذه الظروف الصعبة؟
للوصول إلى جذور هذه الأزمة، تشير التحليلات إلى أن السياسات الاقتصادية للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لعبت دورًا رئيسيًا، تحديداً عبر فرض رسوم جمركية مكثفة على دول متعددة. الصين، على وجه الخصوص، ردت بشكل صارم على هذه التدابير، مما أدى إلى تصعيد ما بات يُطلق عليه "الحرب الاقتصادية الباردة" بين الطرفين. وتساهم هذه الحرب التجارية بالإضافة إلى الصراعات الممتدة الأخرى كالحرب الروسية الأوكرانية وتداعيات جائحة كوفيد-19 في مزيد من الضغط على النظام الاقتصادي العالمي.
يبدو المشهد معقدًا مع وجود ديون متراكمة وارتفاع تكاليف المعيشة ونقص في فرص العمل والسيولة. ومع ذلك، يمكن للأفراد اتخاذ بعض التدابير وفقًا لمختصين اقتصاديين للتخفيف من آثار هذه الأوضاع:
- الحفاظ على السيولة المالية لاكتساب مرونة أكبر في ظل ظروف عدم اليقين.
- الاستثمار في العقارات لما توفره من استقرار طويل الأمد.
- التمسك بالوظيفة الحالية كأساس للاستقرار خلال أوقات الأزمات.
- البحث عن مصادر دخل إضافية من مشاريع صغيرة لا تتطلب استثمارات كبيرة.
لكن هل نحن فعلاً أمام أزمة اقتصادية كبرى؟ يعتقد الدكتور ريان ليمند، الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة نيو فيجن لإدارة الثروات، أن الوضع يتسم بالتوتر السياسي والاقتصادي. المشكلة تتفاقم بسبب التحديات الدبلوماسية بين القوى العالمية الرئيسية. التوتر في تايوان والصين، النزاع الروسي الأوكراني، والأزمات في الشرق الأوسط، إلى جانب احتدام الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، تعمل جميعها على تغذية حالة عدم الاستقرار الاقتصادي.
بينما تبقى الولايات المتحدة قادرة حاليًا على الاقتراض دون قيود واضحة، يشير ليمند إلى وجود تحديات حقيقية طويلة المدى. التساؤلات التي بدأت تثار بشأن قدرة الولايات المتحدة على إدارة ديونها تؤثر مباشرة على مكانة الدولار كعملة احتياط عالمية، وقد تحتاج عملية تراجعه إلى عقود حتى تكتمل.
وبالرغم من كل ذلك، يعتقد ليمند أن الحديث عن "أزمة" اقتصادية أميركية مبالغ فيه بعض الشيء. فتحديات السياسات الجيوسياسية أكثر تعقيدًا من أن تُحل سريعًا. الاتفاق التجاري بين أميركا والصين يبدو بعيد المنال نتيجة تصلب مواقف الطرفين، خصوصاً الصين التي تستند إلى ثقافة آسيوية تقدّر الكرامة وترفض الاستفزازات.
قد تكون الإدارة الأميركية أخطأت في أسلوبها التفاوضي؛ فاستخدام نبرة الضحية من قبل ترامب وتصوير أميركا على أنها تُستغل تجاريًا لم يبنِ شراكات قوية. بالعكس، يوضح الدكتور ليمند أن الولايات المتحدة كانت المستفيد الأكبر من النظام المالي العالمي الحديث بفضل عودة رؤوس الأموال إلى الاقتصاد الأميركي عبر الاستثمارات وسندات الخزانة.
النظام العالمي الراهن يمر بتحديات كبيرة، لكن التاريخ أثبت مرارًا قدرة الاقتصاديات الكبرى على التكيف والتعافي. السؤال الأهم يبقى: كيف يستعد الأفراد للتحولات المقبلة؟
الاستثمار في الذهب كخيار آمن
في ظل حالة الضبابية التي تسيطر على المشهد الاقتصادي العالمي، يبرز الذهب مجددًا كوجهة مفضلة للأمان المالي. فقد شهد الذهب ارتفاعًا ملحوظًا في الطلب عالميًا خلال الربع الأول من هذا العام، محققًا مستويات غير مسبوقة منذ عام 2016، وكان أغلب هذا الإقبال يُعزى إلى غرض الاستثمار.
تتوقع مؤسسات مالية بارزة مثل غولدمان ساكس أن الذهب سيظل خيارًا مثاليًا للحماية من التقلبات الاقتصادية والركود المحتمل، مع احتمالات أن يتجاوز سعره حاجز 3700 دولار قبل نهاية العام. أما تقديرات أخرى، مثل تلك الصادرة عن ستيت ستريت، فتشير إلى احتمالية بلوغ سعر الذهب مستوى يتراوح بين 4000 و5000 دولار خلال السنوات القليلة القادمة، مدفوعًا بتغيرات هيكلية في الاقتصاد العالمي.
وفي هذا الإطار، يقدم الدكتور ليمند نصائح استثمارية صريحة. حيث يدعو المستثمرين الكبار لاستغلال التراجع الحالي في أسعار الذهب كفرصة للشراء، بينما ينصح الأفراد وأصحاب الموارد المحدودة باعتماد نهج الشراء التدريجي بأسلوب منتظم عبر تخصيص نسبة ثابتة من الدخل الشهري (لا تقل عن 20 بالمئة) ضمن استراتيجية ادخار طويلة الأمد. كما يقترح تنوع المحفظة الاستثمارية لتضم فئات مختلفة من الذهب مثل السبائك والعملات الذهبية.
عن تجربته الشخصية في الاستثمار، يشير الدكتور ليمند إلى أن ما يقرب من 50 بالمئة من محفظته بعيدة المدى، والتي تمتد إلى 15 عامًا، مُستثمر في الذهب ومخزن بصناديق أمان بالبنوك السويسرية. وهو يؤكد على أهمية تنويع أنماط التخزين والاستثمار لضمان الأمن المالي.
الشباب ومواجهة التحديات الاقتصادية
ينتقل الحديث إلى الشباب ودورهم في التصدي للتحديات الاقتصادية. يقدم نصيحة إستراتيجية تتمثل في توجيه أولى مدخراتهم نحو شراء عقار سكني بدلاً من إنفاقها على الكماليات مثل السيارات. ويشدد على أولوية امتلاك منزل أو شقة كمصدر استقرار مالي أولًا، يليها التفكير في شراء سيارة وبعد ذلك استكشاف فرص استثمار عقارية إضافية لتوليد دخل مستدام.
كما يلفت النظر إلى ضرورة الالتزام بالادخار المنتظم عبر تخصيص نسبة ثابتة من الدخل الشهري (20 بالمئة كحد أدنى)، وإدارة الباقي وفق الموارد المتاحة، مع التحلي بالوعي تجاه المصروفات والعيش بما يناسب الإمكانيات المتاحة.
في ختام حديثه، يقدم الشريك المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة نيو فيجن لإدارة الثروات رسالة إيجابية للشباب، تحمل معاني الأمل والصبر، مطمئنًا أن الحياة مليئة بالتحديات التي تصقل الشخصيات وتبني القوة. ويؤكد أن مواجهة الأزمات المالية أو البطالة تُعتبر اختبارات حقيقية ينبغي تجاوزها بأسلوب فعّال وإيجابي بدلاً من الوقوف موقف المتفرج.