المتنبي: الشاعر الذي قتله شعره
يُعدّ أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكوفي الكندي، المعروف بأبي الطيب المتنبي، قامة شامخة في الأدب العربي، ومفخرة من مفاخره على مر العصور. وُلد المتنبي في الكوفة، ونشأ في الشام، حيث طلب الأدب وعلوم اللغة العربية في البادية، متنقلاً بين ربوعها. منذ صباه، برزت موهبته الشعرية الفذة، لتُنتج قصائد اتسمت بجزالة اللفظ وقوة المعنى والابتعاد عن التكلف والتصنع، فجمع بين الجمال والعذوبة من خلال توظيف إحساسه العميق وقدرته الفائقة على البيان. كتب المتنبي في مختلف أغراض الشعر، من المدح والهجاء والرثاء إلى الغزل والوصف، مخلفًا وراءه 326 قصيدة تشهد على ذكائه الفذ.
نهاية شاعر: مأساة قصيدة
تظل قصة مقتل المتنبي واحدة من أشهر الحكايات المأساوية في تاريخ الأدب العربي، إذ يُقال إن شعره نفسه كان سببًا في نهايته. تدور الرواية حول قصيدة هجائية شهيرة كتبها المتنبي يهجو فيها ضبة بن يزيد الأسدي العيني، خال فاتك بن أبي جهل الأسدي. كانت هذه القصيدة البائية، التي مطلعها:
ما أنصفَ القومُ ضُبَّهْ وأمّه الطُّرطُبّهْ
بمثابة شرارة أشعلت فتيل الانتقام.
في أحد الأيام، بينما كان المتنبي عائدًا إلى بغداد برفقة ابنه محسد وغلامه، اعترضه فاتك بن أبي جهل الأسدي وعدد من أصحابه. أدرك المتنبي أنه في موقف صعب وأن الغلبة لخصومه، ففكر في الفرار. لكن غلامه، الذي كان ملمًا بشعر سيده، ذكّره بأبياته الخالدة:
الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم
عند سماع هذه الأبيات، قال المتنبي لغلامه مقولته الشهيرة: "قتلتني قتلك الله"، وعاد أدراجه ليقاتل بشجاعة حتى لقي حتفه هو وابنه وغلامه. وقعت هذه الحادثة المأساوية في النعمانية، بالقرب من دير العاقول، غرب سواد بغداد، وذلك في زمن كافور الإخشيدي. ويُشاع أن الحاكم عضد الدولة البويهي كان له دور غير مباشر في مقتله.
وهكذا، اختتمت حياة المتنبي، الشاعر الذي أثرى الأدب العربي بكلماته الخالدة، في مشهد جسّد فيه مقولة "قتله شعره"، ليظل اسمه محفوراً في ذاكرة الأمة كأحد أعظم شعرائها، وقصته شاهداً على تأثير الكلمة وقدرها.