تحديثات الأخبار

يقول المثل الشعبي: "إذا كبر ابنك خاويه"، أي عامله كصديقٍ لتتفادى الصدام الناتج عن اختلاف الأجيال وتباين الرؤى، ولتحقق الغاية الأسمى وهي “التربية الحسنة” بالحوار والاحتواء لا بالعنف والرفض.
هذا المثل الشعبي القديم يعود إلى ذهني اليوم كلما تابعت النقاش الدائر حول الذكاء الاصطناعي، الذي أصبح جزءًا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، رفيقًا في الدراسة، ومساعدًا في العمل، ومستشارًا نفسيًا لمن أثقلته الهموم، وصديقًا لمن لا صديق له. لقد صار الذكاء الاصطناعي ضيفًا دائمًا في بيوتنا، وجليسًا لا يغادرنا.

غير أن النظرة إليه ما تزال منقسمة؛ فهناك من يراه نقمة تهدد الذكاء البشري وتنتقص من قدرات الإنسان وتلغي دوره الإبداعي. لا أنكر أن الاعتماد المفرط على الذكاء الاصطناعي قد يُضعف من قدرات التفكير لدينا، فالعقل مثل العضلة، إن لم يُدرَّب ضمر. كثيرون اختاروا الجلوس في المقعد الخلفي، تاركين للآلة مهمة التفكير والتحليل والاستنتاج. لكن رغم قدرته على معالجة البيانات الهائلة وربطها بسرعة فائقة، يبقى هذا الذكاء بلا روح ولا إبداع، لأنه ليس مولِّدًا للمعرفة، بل حافظة لها، والابتكار سيظل علامة الإنسان وحده.

ومع ذلك، فإن التعامل الصحيح مع هذه الثورة التقنية لا يكون بالخوف منها أو رفضها، بل بمبدأ “خاويه” الذي دعا إليه المثل. أي أن نبني علاقة وعي وتكامل مع الذكاء الاصطناعي، لا خصومة وعداء. فالعزلة عن هذا التحول تعني البقاء في الخلف، في حين أن العالم يسير بخطى متسارعة نحو رقمنة شاملة تشمل كل القطاعات: من الطب إلى الإعلام، ومن التعليم إلى الصناعة.

من الحكمة إذن أن نتعامل مع الذكاء الاصطناعي بوعي ومسؤولية، وأن نُخضعه لرقابة علمية وأخلاقية تضمن حسن استخدامه. فبدلاً من منعه في المؤسسات التعليمية، يمكن توظيفه كأداة مساعدة للطلاب في الوصول إلى المعلومة بسرعة، شرط ألا يلغي دورهم في التحليل والاستنتاج والإبداع.

إن ترك هذا المجال دون رقابة أو وعي كافٍ، سيحوّله إلى خطرٍ اجتماعي وأخلاقي، وهو ما حذّر منه إيلون ماسك بقوله: “نحن نستدعي الشيطان بالذكاء الاصطناعي.” لذا، لا بد من بناء ثقافة مجتمعية رشيدة في التعامل معه، تقوم على الفهم لا الرفض، وعلى الاستخدام الواعي لا الانقياد الأعمى.

إن المستقبل لن يكون لمن يملك التقنية فحسب، بل لمن يُحسن ترويضها، ويُديرها بما يخدم قيمه ومصالحه ومجتمعه. فالذكاء الاصطناعي ليس خصمًا للإنسان، بل مرآة لقدراته، فإما أن نراه وسيلة للإبداع، أو نتركه يسلب منا ما يميزنا كبشر: الوعي، والضمير، والروح.