من رماد الحرب إلى فخاخ الموت: ذخائر لم تنفجر تلاحق الغزيين بعد الهدوء
في غزة، حيث تحوّل لون السماء إلى رماد، لا تنتهي الحرب بانتهاء أصوات القصف. فمخلفاتها المعدنية والقنابل الصغيرة التي لم تنفجر، باتت اليوم أشد فتكًا من الصواريخ التي أنجبتها. تلك القطع اللامعة المبعثرة بين الركام تثير فضول الأطفال، لكنها تخفي موتًا صامتًا ينتظر لحظة اللمس.
تُعدّ مخلفات القصف من أخطر ما خلّفته الحروب المتكررة على القطاع. آلاف الأطنان من الذخائر غير المنفجرة تغطي الأراضي الزراعية والمنازل المدمرة، لتتحول إلى ألغام معلّقة فوق رؤوس الناس، تحصد الأرواح بلا إنذار. فالقذائف العنقودية، وشظايا الصواريخ، وبقايا القنابل، تظل كامنة لعقود، قادرة على الانفجار في أي لحظة، وتحوّل ما تبقى من الحياة إلى مأساة جديدة.
فرق الهندسة والدفاع المدني تواجه هذا الخطر بإمكانات محدودة، إذ تفتقر غزة للمعدات المتخصصة والفرق المدربة اللازمة للتعامل مع هذه الذخائر، نتيجة الحصار المستمر منذ أكثر من 18 عامًا. وغالبًا ما يضطر العاملون إلى تفكيك القنابل يدويًا، مستخدمين وسائل بدائية، في مخاطرة يومية تُضاف إلى سجل الشجاعة الصامتة لأبناء القطاع.
وتسجل منظمات حقوق الإنسان حوادث متكررة يذهب ضحيتها أطفال وشبان أثناء عبثهم ببقايا الصواريخ أو محاولاتهم جمع المعادن لبيعها، في ظل ظروف اقتصادية خانقة تدفعهم إلى مواجهة الموت بثمن لقمة العيش.
الخبراء يؤكدون أن هذه المخلفات لا تفقد خطورتها بمرور الزمن، بل تبقى نشطة وقابلة للانفجار لعشرات السنين، مما يجعل غزة تعيش ما يمكن وصفه بـ"حرب ما بعد الحرب"، حيث تواصل بقايا القصف ملاحقة سكانها حتى بعد أن يسود الصمت.
مغلفات الحرب في غزة ليست مجرد بقايا معارك؛ إنها قنابل مؤجلة، تذكّر بأن السلام في هذا المكان لا يأتي بانتهاء الحرب، بل يبدأ حين تُرفع آخر قطعة من الحديد الذي لم يفقد بريقه ولا خطره.