تحديثات الأخبار

زلزال سوريا وتركيا: الوفيات تتجاوز 41 ألفاً واستمرار انتشال أحياء

في فجر السادس من فبراير/شباط 2023، استفاق الملايين في جنوب تركيا وشمال سوريا على زلزال مدمر هزّ الأرض بقوة تجاوزت 7.8 درجات على مقياس ريختر، ليتحوّل الليل إلى مشهد من الرعب والدمار. لم يكن الزلزال مجرد اهتزاز عابر للأرض، بل كان كارثة كبرى هزّت الوجدان الإنساني عالميًا، بعدما خلفت آلاف القتلى والمصابين، وشرّدت الملايين من منازلهم، وجعلت مدنًا بأكملها تتحول إلى ركام.

ومع مرور الأيام الأولى، كانت الحصيلة تتضاعف بوتيرة مرعبة: أكثر من 41 ألف ضحية بين قتيل ومفقود حتى منتصف فبراير، وما زال الرقم في ارتفاع مع استمرار عمليات البحث والإنقاذ. بينما عاشت العائلات تحت أنقاض المنازل في سباق مع الزمن، حيث تحولت كل دقيقة إلى أمل يختفي كلما طالت ساعات الانتظار.

قوة الزلزال وتداعياته

وقع الزلزال على عمق ضحل نسبياً، ما جعل تأثيره أكثر تدميراً. شعر به سكان عدة دول مجاورة، من لبنان والعراق والأردن إلى فلسطين وحتى قبرص واليونان. تبعته آلاف الهزات الارتدادية التي زادت من حالة الخوف والارتباك، إذ أعلنت إدارة الكوارث التركية أن عددها تجاوز 3800 هزة ارتدادية خلال أسبوعين فقط.

هذا الزلزال يعد من أشد الزلازل التي عرفتها المنطقة منذ قرن، ليس فقط من حيث قوته، بل من حيث اتساع رقعة الدمار. مدن كاملة في جنوب تركيا مثل كهرمان مرعش، هاتاي، وغازي عنتاب تضررت بشدة، فيما انهارت أحياء واسعة في الشمال السوري، لا سيما في إدلب وحلب واللاذقية.

الحصيلة البشرية: أرقام تتجاوز الخيال

بحلول 16 فبراير 2023، بلغت حصيلة الوفيات الرسمية أكثر من 41 ألف إنسان، بينهم عشرات الآلاف من الجرحى والمفقودين. ومع أن الأمل في العثور على ناجين ظل ضعيفًا بعد مرور عشرة أيام، إلا أن فرق الإنقاذ استمرت في البحث، وظهرت بين الحين والآخر قصص معجزة لأشخاص انتشلوا أحياءً من تحت الأنقاض بعد أيام طويلة بلا طعام أو ماء.

إلى جانب الضحايا، تشير التقديرات إلى أن ملايين الأشخاص باتوا بلا مأوى، حيث أجبروا على النوم في الشوارع أو في مراكز إيواء مؤقتة، وسط برد الشتاء القارس.

المشهد في سوريا

في سوريا، جاءت الكارثة لتزيد من معاناة بلد أنهكته الحرب لأكثر من عقد. الأحياء الشرقية في حلب، بعض قرى إدلب، واللاذقية كانت الأكثر تضررًا. المباني الهشة التي لم تعد تحتمل الانهيار سقطت كأوراق الشجر.

عقد وزير الأشغال العامة والإسكان سهيل عبد اللطيف اجتماعًا طارئًا، وأعلن عن تجهيز مئة وحدة سكنية مسبقة الصنع لتكون جاهزة للتسليم الفوري للمتضررين. كما تم تكليف هيئة التخطيط الإقليمي باستخدام تقنية GIS لرسم خارطة دقيقة للمناطق المنكوبة ودمجها في الخطة الوطنية للإسكان.

وقدّرت الدراسات الإحصائية السورية حجم الخسائر الناجمة عن الزلزال بأكثر من خمسة مليارات دولار، تشمل المباني المدمرة والبنية التحتية المتضررة والخسائر الاقتصادية غير المباشرة.

المشهد في تركيا

أما تركيا، فقد كانت بؤرة الكارثة. آلاف المباني انهارت خلال لحظات، وحوّلت المدن المزدهرة إلى ساحات إنقاذ مليئة بالصراخ والدموع. في ولاية كهرمان مرعش وحدها، بلغت أعداد الضحايا أرقامًا مروّعة.

أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن حكومته ستبدأ إعادة الإعمار بسرعة قياسية، مؤكدًا أنه اعتبارًا من مارس 2023 سيتم وضع حجر الأساس لـ 30 ألف وحدة سكنية جديدة، على أن تتوسع الخطة لاحقًا لتشمل عشرات الآلاف من المنازل. كما أطلقت حملة وطنية تحت شعار "تركيا قلب واحد" لجمع التبرعات.

المساعدات الدولية: تضامن عابر للحدود

سرعان ما تحولت المطارات التركية والسورية إلى محطات لوصول طائرات المساعدات من مختلف أنحاء العالم.
أرسلت تونس والجزائر فرق إنقاذ وأطنانًا من المساعدات الغذائية.
ساهمت الإمارات والسعودية وقطر والكويت بجسور جوية ضخمة حملت مستشفيات ميدانية وخيامًا ومعدات طبية.
قدمت الصين وإيران والعراق ولبنان مساعدات لوجستية وإنسانية.
كما شاركت فرق إنقاذ من أوروبا وأميركا اللاتينية في عمليات البحث عن ناجين.

هذا التضامن الإنساني عكس حقيقة أن الكوارث الطبيعية تتجاوز السياسة والحدود، وتعيد التذكير بروح الإنسانية المشتركة.

الأبعاد الإنسانية والاجتماعية

تأثير الزلزال لم يقتصر على الدمار المادي، بل ترك آثارًا نفسية عميقة. آلاف الأطفال فقدوا آباءهم، وعائلات بكاملها اختفت تحت الأنقاض. المشاهد المروّعة دفعت خبراء الصحة النفسية إلى التحذير من موجة صدمات واضطرابات سترافق الناجين لسنوات طويلة.

الأهالي الذين نجوا من الموت وجدوا أنفسهم بلا مأوى ولا عمل، يواجهون برد الشتاء ببطانيات وخيام مؤقتة. المشهد في مخيمات الإيواء كان قاسيًا: ازدحام شديد، نقص في الخدمات، وصعوبة توفير المياه النظيفة.

الخسائر الاقتصادية

على صعيد الاقتصاد، شكل الزلزال ضربة قاصمة. في تركيا، قدّرت الخسائر الأولية بعشرات المليارات من الدولارات. البنية التحتية تضررت بشدة: الطرق السريعة، شبكات الكهرباء، الموانئ، والمطارات. كما توقفت آلاف المصانع والشركات، ما أثر سلبًا على الاقتصاد الوطني.

في سوريا، كانت الصورة أكثر قسوة بسبب الحرب والعقوبات الاقتصادية. المدن المتضررة مثل حلب التي كانت يومًا قلب الصناعة السورية، فقدت ما تبقى من مقوماتها الاقتصادية.

خطط إعادة الإعمار

بدأت الحكومتان التركية والسورية بوضع خطط لإعادة بناء المناطق المدمرة. تركيا أعلنت عن بناء مئات الآلاف من الوحدات السكنية الجديدة خلال عامين، بينما ركزت سوريا على الوحدات السكنية الجاهزة واستغلال الخرائط الرقمية لتحديد أولويات إعادة البناء.

غير أن هذه العملية ستحتاج إلى تمويل ضخم وتعاون دولي طويل الأمد، خاصة أن إعادة إعمار المدن لا تقتصر على المنازل فقط، بل تشمل المدارس والمستشفيات والمصانع والبنى التحتية.

البعد النفسي والإنساني

علماء النفس يشيرون إلى أن الأثر النفسي للزلزال قد يطول أكثر من إعادة الإعمار المادي. الأطفال الذين عايشوا مشاهد الموت والدمار سيحتاجون إلى دعم نفسي مستمر. وقد بدأت منظمات إنسانية عدة بإنشاء مساحات صديقة للأطفال في المخيمات، لتوفير بيئة آمنة للتعلم واللعب وتخفيف الصدمات.
زلزال سوريا وتركيا لم يكن مجرد كارثة طبيعية عابرة، بل كان زلزالًا إنسانيًا وسياسيًا واقتصاديًا سيبقى أثره لعقود. ورغم حجم الدمار، إلا أن صور التضامن بين البشر من مختلف الجنسيات أعادت التذكير بقيمة الحياة ووحدة المصير.
إن الكوارث تُظهر هشاشة الإنسان أمام الطبيعة، لكنها في الوقت نفسه تكشف عن قوة الإرادة البشرية حين تتكاتف الشعوب وتتعاون لمداواة الجراح. وبينما تستمر عملية إعادة الإعمار، تبقى ذكرى آلاف الضحايا محفورة في الوجدان، لتذكرنا دائمًا بأن الحياة قد تنقلب في لحظة، وأن التضامن هو السبيل الوحيد لمواجهة الألم.

لقراءة المزيدحول الزلازل....انقرهنا