الصحة النفسية في فلسطين: الجرح الصامت الذي لا يُرى
في المجتمعات التي تعاني من الضغوط المستمرة، غالبًا ما يُهمَل الجانب النفسي، وتُدفن الآلام في زوايا الصمت. وفي فلسطين، حيث يُختزل المشهد في العناوين الكبرى، هناك وجع خفي يتسلل إلى تفاصيل الحياة: الصحة النفسية، القضية التي لا تُناقش كثيرًا، لكنها تؤثر على كل شيء.
ألم لا نجرؤ على تسميته....
أن تشعر بالحزن، أو القلق، أو الخوف، أو حتى الفراغ، هو أمر إنساني طبيعي. لكن في ثقافتنا، كثيرًا ما تُوصف هذه المشاعر بالضعف، أو “قلة الإيمان”، أو مجرد “دلع”. فكم من شاب يعاني بصمت؟ وكم من أم تُربّي أطفالها وهي مثقلة باكتئاب خفي؟ وكم من طفل لا يفهم لماذا يشعر بالخوف طوال الوقت؟
نحن لا نفتقد فقط العلاج، بل نفتقد أولًا الاعتراف.
الضغوط اليومية ليست عادية....
التنقل بين المدارس والمواصلات، مواجهة البطالة، التعامل مع الفقر، غياب المساحات الآمنة للتعبير، والانفصال العاطفي داخل العائلة… كل هذا ليس طبيعيًا. هو بيئة خصبة لانفجار داخلي إذا لم نجد من يحتضننا أو يصغي لنا. الصحة النفسية لا ترتبط فقط بالصدمات الكبرى، بل تتآكل بفعل التفاصيل الصغيرة المتكررة.
المجتمع لا يزال خائفًا من الكلمة....
عبارات مثل “أنا محتاج أحكي”، أو “أنا مش تمام” ما زالت تُقابل بالصمت، أو السخرية، أو الرفض. والنتيجة؟ جيل يخاف من ضعفه، ويخجل من إنسانيته، ويخفي تعبه خلف ابتسامات فارغة أو انشغال دائم. أن نطلب مساعدة نفسية ليس عيبًا. العيب هو أن نكسر أنفسنا لنبدو أقوياء أمام من لا يرانا أصلًا.
نحو وعي جديد....
الصحة النفسية لا تخص المرضى فقط، بل تخص كل شخص يتعامل مع الحياة. المعلم الذي يعاني من الإرهاق، الأم التي تشعر بالعجز، الشاب الذي فقد دافعيته، والطفلة التي لا تنام ليلًا. هؤلاء لا يحتاجون دائمًا إلى دواء، بل أحيانًا إلى مساحة آمنة، ووعي مجتمعي، واحتضان حقيقي. اليوم، هناك مبادرات فلسطينية شابة بدأت تفتح الأبواب للحديث عن هذه القضايا: جلسات دعم، محتوى توعوي، تطبيقات رقمية للاستشارة، ومبادرات شبابية تعمل بصمت. هي خطوات صغيرة، لكنها حقيقية.
في الختام…
الصحة النفسية ليست رفاهية، بل حق إنساني، وحاجة يومية، وأساس الاستقرار الفردي والمجتمعي. حان الوقت لأن نتحدث، لأن نستمع، لأن نحضن من حولنا، قبل أن نسألهم لماذا تغيروا فجأة.
دعونا نكسر هذا الصمت، ونمنح أنفسنا ومن نحب فرصة للراحة… وللشفاء.